فصل: تفسير الآيات (106- 110):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أبو علي الفارسي: العجمي المنسوب إلى العجم الذي لا يفصح، سواء كان من العرب أو من العجم، وكذلك الأعجم.
والأعجمي: المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحًا.
{وهذا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} الإشارة إلى القرآن، وسماه لسانًا لأن العرب تقول للقصيدة والبيت: لسانًا، ومنه قول الشاعر:
لسان الشر تهديها إلينا ** وخنت وما حسبتك أن تخونا

أو أراد باللسان: البلاغة، فكأنه قال: وهذا القرآن ذو بلاغة عربية وبيان واضح، فكيف تزعمون أن بشرًا يعلمه من العجم؟ وقد عجزتم أنتم عن معارضة سورة منه، وأنتم أهل اللسان العربي ورجال الفصاحة، وقادة البلاغة، وهاتان الجملتان مستأنفتان سيقتا لإبطال طعنهم ودفع كذبهم.
ولما ذكر سبحانه جوابهم، وبخهم وهددّهم فقال: {إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} أي: لا يصدّقون بها {لاَ يَهْدِيهِمُ الله} إلى الحق الذي هو سبيل النجاة، هداية موصلة إلى المطلوب لما علم من شقاوتهم {وَلَهُمْ في الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} بسبب ما هم عليه من الكفر والتكذيب بآيات الله.
ثم لما وقع منهم نسبة الافتراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ عليهم بقوله: {إِنَّمَا يَفْتَرِى الكذب الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} فكيف يقع الافتراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رأس المؤمنين بها، والداعين إلى الإيمان بها.
وهؤلاء الكفار هم الذين لا يؤمنون بها، فهم المفترون للكذب.
قال الزجاج: المعنى: إنما يفتري الكذب الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلاّ الله كذبوا بها هؤلاء أكذب الكذبة، ثم سماهم الكاذبين.
فقال: {وَأُوْلئِكَ} أي: المتصفون بذلك {هُمُ الكاذبون} أي: إن الكذب نعت لازم لهم وعادة من عادتهم فهم الكاملون في الكذب، إذ لا كذب أعظم من تكذيبهم بآيات الله.
وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد ابن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، أنه سئل عن الحياة الطيبة: المذكورة في الآية فقال: الحياة الطيبة الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا، وإذا صار إلى ربه، جازاه بأحسن ما كان يعمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الكسب الطيب، والعمل الصالح.
وأخرج العسكري في الأمثال عن عليّ في الآية قال: القناعة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس قال: القنوع، قال: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الّلهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه، واخلف عليّ كل غائبة لي بخير».
وأخرج أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه».
وأخرج الترمذي، والنسائي من حديث فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قد أفلح من هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافًا وقنع به».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر عن عطاء قال: الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الصلاة وغيرها من أجل قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم}.
وقد ورد في مشروعية الاستعاذة عند التلاوة ما لعلنا قد قدّمنا ذكره.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ} يقول: سلطان الشيطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن مردويه، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} وقوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجروا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} قال: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاره.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} قال: هو كقوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [البقرة: 106].
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه قال السيوطي: بسندٍ ضعيف عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بمكة قينا اسمه بلعام، وكان أعجميًا، فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ}. الآية.
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان عنه في الآية، قال: قالوا إنما يعلم محمدًا عبد بن الحضرمي وهو صاحب الكتب، فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج آدم بن أبي إياس، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن عبد الله ابن مسلم الحضرمي قال: كان لنا عبدان من أهل عين التمر، يقال لأحدهما: يسار.
والآخر: جبر، وكان يصنعان السيوف بمكة، وكانا يقرآن الإنجيل، فربما مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يقرآن فيقف ويستمع، فقال المشركون: إنما يتعلم منهما، فنزلت هذه الآية. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قينًا بمكة اسمه بلعام، وكان عجمي اللسان فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام فأنزل الله {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر} الآية.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عباس في قوله: {إنما يعلمه بشر} قال: قالوا إنما يعلم محمدًا عبدة بن الحضرمي- وهو صاحب الكتب- فقال الله: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ غلامًا لبني المغيرة أعجميًا، يقال له مقيس، وأنزل الله {ولقد نعلم أنهم يقولون} الآية.
وأخرج آدم بن أبي إياس وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان، عن مجاهد {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر} قال: قول قريش: إنما يعلم محمدًا بن الحضرمي وهو صاحب كتب {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي} يتكلم بالرومية {وهذا لسان عربي مبين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: يقولون إنما يعلم محمدًا عبدة بن الحضرمي كان يسمى مقيس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الضحاك في الآية قال: كانوا يقولون: إنما يعلمه سلمان الفارسي، وأنزل الله {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: إن الذي ذكر الله في كتابه أنه قال: {إنما يعلمه بشر} إنما افتتن من أنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يملي عليه سميع عليم، أو عزيز حكيم أو نحو ذلك من خواتيم الآية، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله، أعزيز حكيم أو سميع عليم؟ فيقول: أي ذلك كتبت فهو كذلك، فافتتن وقال: إن محمدًا ليكل ذلك إلي فأكتب ما شئت فهذا الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آذاه أهل مكة، دخل على عبد لبني الحضرمي يقال له: أبو يسر، كان نصرانيًا وكان قد قرأ التوراة والإنجيل، فساءله وحدثه. فلما رآه المشركون يدخل عليه قالوا: يعلمه أبو اليسر. قال الله: {هذا لسان عربي مبين} ولسان أبي اليسر عجمي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن معاوية بن صالح قال: ذكر الكذب عند أبي أمامة فقال: اللهم عفوًا، أما تسمعون الله يقول: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون}.
وأخرج الخرائطي في مساوئ الأخلاق وابن عساكر في تاريخه، عن عبد الله بن جراد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: «هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يسرق المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا. ثم أتبعها نبي الله صلى الله عليه وسلم {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون}».
وأخرج الخطيب في تاريخه، عن عبد الله بن جراد قال: قال أبو الدرداء: يا رسول الله، هل يكذب المؤمن؟ قال: «لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر من إذا حدث كذب».
وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أخوف ما أخاف عليكم ثلاثًا: رجل آتاه الله القرآن، حتى إذا رأى بهجته وتردى الإسلام، أعاره الله ما شاء، اخترط سيفه، وضرب جاره، ورماه بالكفر. قالوا: يا رسول الله، أيهما أولى بالكفر، الرامي أو المرمي به؟ قال: الرامي، وذو خليفة قبلكم آتاه الله سلطانًا فقال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، وكذب ما جعل الله خليفة حبه دون الخالق، ورجل استهوته الأحاديث كلما كذب كذبة وصلها بأطول منها، فذاك الذي يدرك الدجال فيتبعه». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)}.
قوله تعالى: {لِّسَانُ الذي} العامَّة على إضافة {لسان} إلى ما بعدَه، واللِّسانُ: اللغة، وقرأ الحسن {اللسان} معرَّفًا بأل، و{الذي} نعتٌ له، وفي هذه الجملة وجهان، أحدُهما: لا محلَّ لها لاستئنافِها، قاله الزمخشري، والثاني: أنها حالٌ مِنْ فاعل {يقولون}، أي: يقولون ذلك والحالُ هذه، أي: عِلْمُهم بأعجميةِ هذا البشرِ وإبانةِ عربيَّةِ هذا القرآنِ كان ينبغي أَنْ يمنَعهم من تلك المقالةِ، كقولِك: تَشْتُمُ فلانًا وهو قد أحسنَ إليك، أي: وعِلْمُك بإحسانِه إليك كان يمنعُك مِنْ شَتْمِهِ، قاله الشيخ. ثم قال: وإنما ذهب إلى الاستئنافِ لا إلى الحالِ؛ لأنَّ مِنْ مذهبِه أنَّ مجيءَ الحالِ اسميةً من غيرٍ واوٍ شاذٌ، وهو مذهبٌ مرجوحٌ تَبِع فيه الفراء.
و{أعجميٌّ} خبرٌ على كلتا القراءتين، والأعجميُّ: مَنْ لم يتكلَّمْ بالعربية، وقال الراغب: العَجَمُ خلافُ العرب، والعجميُّ منسوبٌ إليهم، والأَعْجَم مَنْ في لسانِه عُجْمَةٌ عربيًا كان أو غيرَ عربي؛ اعتبارًا بقلة فَهْمِه من العُجْمة، والأعجميُّ منسوبٌ إليه، ومنه قيل للبهيمة عَجْماء من حيث إنها لا تُبِيْنُ، وصلاةُ النهارِ عَجْماء، أي: لا يُجْهَرُ فيها، والعَجَمُ: النَّوَى لاختفائِه، وحروف المعجم، قال الخليل: الحروفُ المقطَّعة لأنها أعجمية قال بعضهم: معناه أنَّ الحروفَ المجردة لا تَدُلُّ على ما تَدُلُّ عليه الموصولةُ، وأَعْجمتُ الكتاب ضِدُّ أَعْرَبْتُه، وأَعْجَمْتُه: أَزَلْتُ عُجْمَتَه كَأَشْكَيْتُه، أي: أَزَلْتُ شِكايتَه، وسيأتي لهذا أيضًا مزيدُ بيانٍ إنْ شاء الله في الشعراء، وحم السجدة، وتقدَّم خلافُ القرَّاء في {يُلْحِدُون} في الأعراف. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)}.
لم يستوحش الرسولُ صلى الله عليه وسلم من تكذيبهم، وخفاء حاله وقَدْرِه عليهم.، وأيُّ ضررِ يلحق مَنْ كانت مع السلطان مُجَالَسَتُه إذا خَفِيَتَ على الأَخسِّ مِنَ ابرعيةِ حالتُه؟
ثم إنه أقام الحجةَ في الردِّ عليهم حيث قال: {لِسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} فَمِن فَرْطِ جهلهم توهموا أنَّ القرآنَ- الذي عجز كافةُ الخَلْق عن معارضته في فصاحته بلاغته- مقولٌ وحاصلٌ باتصاله بِمَنْ هو أعجمي النطق.
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}.
إنَّ منْ سَبَقَتْ بالشقاوة قسمتُه لم تتعلق من الحق سبحانه به رحمتُه، ومَنْ لم يَهْدِهِ اللَّهُ في عاجله إلى معرفِته لا يهديه اللَّهُ في آجِلِه إلى جنته.
{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}.
هذا من لطائف المعاريض؛ إذ لمَّا وصفوه- عليه السلام- بالافتراء أنار الحقُّ سبحانه في الجواب، فقال: لستَ أَنت المفترِي إنما المفترِي مَنْ كذَّبَ معبودَه وجَهِلَ توحيدَه. اهـ.

.تفسير الآيات (106- 110):

قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)}

.مناسبة الآيات لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ذكر الذين لا يؤمنون مطلقًا، أتبعهم صنفًا منهم هم أشدهم كفرًا فقال تعالى: {من} أي أي مخلوق وقع له أنه {كفر بالله} أي الذي له صفات الكمال، بأن قال أو عمل ما يدل على الكفر، ولما كان الكفر كله ضارًا وإن قصر زمنه، أثبت الجار فقال تعالى: {ومن بعد إيمانه} بالفعل أو بالقوة، لما قام على الإيمان من الأدلة التي أوصلته إلى حد لا يلبس فصار استكباره عن الإيمان ارتدادًا عنه وجوب الشرط دل ما قبله وما بعده على أنه: فهو الكاذب، أو فعليه غضب من الله {إلا من أكره} أي وقع إكراهه على قول كلمة الكفر {وقلبه} أي والحال أن قلبه {مطمئن بالإيمان} فلا شيء عليه، وأجمعوا- مع إباحة ذلك له- أنه لا يجب عليه التكلم بالكفر، بل إن ثبت كان ذلك أرفع درجة، والآية نزلت في عمار بن ياسر- رضي الله عنهم- أكرهوه فتابعهم وهو كاره، فأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه كفر، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «كلا! إن عمارًا ملىء إيمانًا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه»، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح عينيه ويقول: «إن عادوا فعد لهم بمثل ما قلت» {ولكن من شرح} أي فتح فتحًا صار يرشح به {بالكفر صدرًا} أي منه أو من غيره بالتسبب فيه لأن حقيقة الإيمان والكفر يتعلق بالقلب دون اللسان، وإنما اللسان معبر وترجمان معرف بما في القلب لتوقع الأحكام الظاهرة {فعليهم} لرضاهم به {غضب} أي غضب؛ ثم بين جهة عظمه بكونه {من الله} أي الملك الأعظم {ولهم} أي بظواهرهم وبواطنهم {عذاب عظيم} لارتدادهم على أعقابهم.